Sunday, April 26, 2009

قلت لنفسي قبل سنوات لا اعرف عددها: سأتعلم ركوب العجل (الدراجات) بالتأكيد في يوم ما، في اي وقت كان. نعم، سأتعلم بالتأكيد إنشالله في يوم ما قبل أن أموت. حاتعلم يعني حاتعلم. أرى رد الفعل على وجه من يسمعني: بعض العيون تتسع، حواجب ترتفع، وبعض الشفاه تجاهر بالابتسام، سخرية أو شفقة أو تشجيعا، لا يهم، ولكن المهم أن الأمر بدا للناس دائما كمغامرة. لها لازمة واللا ما لهاش؟ بالنسبة لي الآن: لها لازمة. حاتعلم يعني حاتعلم. أقول: تلستوي تعلم وكان فوق الستين او السبعين، وأنا فقط فوق الخمسين. ولكن يا بنتي تلستوي كان عنده لياقة بدنية كانت مضرب الأمثال وكان عنده نظريات في موضوع علاقة العقل بالصحة بالرياضة. فأرد: ما هو كمان العجل في وقته كان اصعب. كانت الدراجات في بداية اختراعها وكانت العجلة الأمامية أكبر جدا من الخلفية والتوازن أصعب بكثير، ثم إن الدنيا تتقدم في صالح الانسان، مش كده؟ إذن، حاتعلم يعني حاتعلم

بابا قال: "البنات ما تركبش عجل" ، كده ببساطة، فلم نتعلم ركوب العجل، كده ببساطة
أحمد هو أخي الوحيد، وهو الوحيد أيضا الذي تعلم ركوب الدراجة. قال لي في التليفون أنه لا يذكر من علمه ولكنه بدأ بدراجة قديمة لفت على بيوت الأسرة. صبيان عمي، صبيان إبنة عمتي، ثم أخي
لم أتعلم، فلم أستطع بالتالي أن أعلم إبنتي، ففاقد الشيء لا يعطيه. تقول إبنتي ساخرة "إشمعنى دي اللي سمعتوا الكلام فيها؟". فقد سمعت عن قصص التمرد وقصص مطالبة بابا بالمناقشة في كل صغيرة وكبيرة. لا أعرف كيف أرد. ربما بدأ التمرد ومسألة طلب المناقشة "إقنعني" في سن المراهقة، وليس قبلها في سن تعلم ركوب العجل في سن الثامنة أو التاسعة مثلا. وربما كان استرياح، بمعنى لم أكن مهتمة بهذه الرياضة فلم يهمني أن أُمنع منها، طالما لم أُمنع مما أحب، كالسباحة مثلا. لا أعرف، ولكن هذا ما حدث. لم أسعى أبدأ أن اجرب دراجة أخي، أو حتى اسأله ان يأخذني أمامه في "لفة
ولكن السؤال هو: ماذا كانت أسباب بابا لهذا "الفرمان
رياضة صبياني لا تليق برقة البنات ؟
غشاء البكارة ؟
الخوف من حرية التنقل بحرية وسرعة من مكان لآخر؟
كلام الناس؟
على أي حال أرى الآن ان هذا الفرمان، الوحيد من نوعه تقريبا، تناقض مع الحريات الواسعة التي تمتعنا بها وتعليمات وتعليقات بابا الأخرى مثل: الجيش بيقولك إتصرف، لو كنت في الحرب دلوقتي ومفيش الحاجة اللي إنت عايزها دي كنت عملت إيه؟، أو: ليه ما تقدرش: إنت مش ناقصك أي حاجة عن اللي بيقدر: ولا إيد ولا رِجل

كنت انظر لإيمان الكرداني من الشرفة الخلفية في الدور الأول لشاليه جمصة في اوقات العصاري بعد عودتنا من البحر والحمام والغداء. نجلس وقد التهبت وجوهنا وأكتافنا من الشمس فنشعر كأن نار خفيفة تخرج منها، فنلتذ بنسمة الهواء الباردة الضعيفة التي تهب علينا في تلك الشرفة القبلية، أنظرلإيمان التي تربت في لبنان وهي تركب بسعادة شديدة الدراجة فأسعد لها، ولا أشعر بأي رغبة في تقليدها وتجربة أن أكون فوق العجلة أنا نفسي

أما الآن: فعندما تتكلم عن ركوب العجل صديقتي شتيرن التي كانت مدرسة ليلى في المدرسة الألمانية أشعر بمشاعر مختلفة. تقول: هذه السنة أيضا سأذهب مع هانا هارتمان في رحلة على الدراجات في منطقة لم نذهب لها من قبل في ربوع ألمانيا. الصيف الماضي اتفقنا مع شركة سياحية تسهل لنا الأمر، بما أننا لم نعد شباب صغار وقوة تحملنا تقل. نتفق مع الشركة على الخريطة والمسارات التي سنتبعها فتحجز لنا الشركة في فنادق على طول الطريق، وتنقل لنا حقائبنا للفندق الذي نكون قربه في تلك المرحلة من الرحلة. تصف مشاعرهم وانبساطهم وأنا أنظر لها وهي تحكي وأقول في نفسي: حاتعلم يعني حاتعلم

1 comment:

هالة said...

مرة فى محاضرة لروبرت سويتزر قال إن الاحتفاظ بنظرة الانبهار تجاه الحياةو ما فيها من أسرار و عجائب كامنة فى مخلوقات, أشياء أو عادات (بسيطة أو معقدة), كنز طفولى يا هناه من يستوعبه و يباشر وجوده فى الروح البشرية. و جعلنى أفكر أنه فى بعض الأحيان نتأخر فى خوض تجارب معينة لكى تظهر فى حياتنا فى وقت أخر لكى تملأنا بشىء من ذاك الكنز الطفولى و تجدد فيناروح "هتعلم يعنى هتعلم" فما لى إلا أن أشجعك بكل حماس! أه لازم تتعلمى و و أجمل مافى المدونة دى إنها فيها صدق فى منتهى العذوبة (و العذوبة دى كلمة أضيفت إلى وعيى من خلال أخر حوار بيننا)