Saturday, November 28, 2009




قبل أن أصل إلى هذه المدينة الأمريكية الصغيرة في أواخر يوليو الماضي ، كانت واحدة من طالباتي السابقات قد رتبت لي ، بلفة كبيرة عن طريق صديقة صديقة والدتها التي تعرف أحد ما في هذه المدينة، ان اسكن في بيت سيدة امريكية (شيللي ديفوست) ستترك لي بيتها في المدينة لأنها تقضي الصيف في بيتها المطل على بحيرة قريبة. كان هذا حظ سعيد من كل النواحي. البيت قريب من الجامعة ، في المنطقة التاريخية من المدينة (120 عاما) ، والحقيقة أنها كانت افضل تقديم لي للمجتمع والحياة الأمريكية في أفضل صورها ومعانيها فأصبحنا أصدقاء بسرعة واصبحت هي لي أكبر سند في التكيف في حياتي الجديدة التي كانت في البداية مليئة بالتفاصيل الصغيرة التي تقريبا لا يمكن الاستمرار دونها.



كنت قد بحثت كثيرا وأنا في القاهرة عن طريق الانترنت على مكان للسكن وعندما وصلت للمدينة بدأت الاتصالات حتى أرى هذه الشقق للاختيار بينها. طبعا عندي قصص ومغامرات كثيرة ، ماأطولش عليكم، قولوا طوّلي، وصلت في النهاية أني أريد شقة معينة اعجبتني صورها ولم يصلني رد على الإيميل الذي أرسلته، فمشيت حتى المنطقة القريبة أبحث عن مكان الشقة أو لافتة للايجار. لم تصدق "شيلي" أنه بالصدفة البحتة وصلت للإبرة في كوم القش، ووصلت لاستئجار الشقة من صاحبتها المعمارية اليونانية التي تعيش في أمريكا منذ ثلاثون سنة. اكثر ما اعجبني في الشقة أنها تطل على غابة مليئة بالشجر العالي متعدد الأنواع. أنظر من الشبابيك المتسعة فلا أرى إلا آلاف أوراق الشجر لا تكاد جزوع الشجر تظهر من كثرة وكثافة الأوراق. تعرفت عن طريق "شيلي" على محلات الأشياء المستعملة التي تدار هنا لأغراض خيرية "لصالح مرضى السرطان مثلا" أو تدار عن طريق رابطة مدرسي وأولياء أمور طلاب المدارس الحكومية لتحسين احوال تلك المدارس. إشتريت كل شيء من تلك المحلات. كل شيء ماعدا: السرير. قلت لنفسي : لا أريد أن انام مكان شخص ربما كان حزينا لسبب ما، إعتقدت أن حزن مالك السرير السابق يمكن ان يغرقني وأنا نائمة مستسلمة ولا حول لي ولا قوة. الشقة قريبة من الجامعة. في البداية كنت أمشي المسافة في نصف ساعة ، ثم بعد عدة أيام وصلت ل25 دقيقة ، وهكذا بالتحدي اليومي وصلت الآن إلى رقم 15 دقيقة بالضبط. أكلم نفسي وانا أمشي، وأغني، وانظر للنباتات، وللسماء، وأسمع الطيور، والحشرات، وصوت خطواتي وأنا أدب صاعدة المطلع الصعب بعد بيتي مباشرة وانا اضحك في كل مرة متذكرة " أخد علقة ما اخدهاش حمار في مطلع" وأقول أهوه ده المطلع ، وأنا الحمار، بس من غير علقة. طالعة المطلع اتنفس من أنفي واخرج النفس من فمي. أحاول أن انظمه حتى لا أشعر بالتعب بسرعة في هذا الجو الخانق بالرطوبة (85-95%) وأقول "آل كانوا بيقولوا المنصورة رطوبة آل، ييجوا يشوفوا الرطوبة على اصولها".



لماذا أكتب كل هذا؟ لأني اريد ان أتكلم عن المفاجأة: إكتشافي الأخير !!!!



منذ بداية الخريف، الخريف الحقيقي الذي لم أر مثله من قبل، حيث المطر والريح التي تهز الشجر كانها ستقلعه، وأوراق الشجر تتساقط اكثر من المطر فتغطي كل شيء بطبقات فوق طبقات من الأوراق متنوعة الأشكال الملونة بكل الألوان التي يمكن أن تتخيلوها. أنظر من شبابيكي فأرى المنظر وقد تغير . والمفاجأة أن الغابة التي فكرت أني أعيش فيها وحدي ، مليئة بالبيوت التي يسكن فيها ناس إكتشفت وجودهم واكتشفوا وجودي بعد سقوط الأوراق. أصبح الشجر عريانا. سلعوات رفيعة تقف بجوار بعضها ، لا تخفي أي شيء. إكتشفت ان حولي طرق كثيرة تصل البيوت فوق الجبل الصغير بطرقات المدينة الأخرى. أجلس لطاولتي في المساءلأصحح كتابات الطلاب فيصدم عيني ضوء باهر. أرفع رأسي فأرى صف أنوار السيارات الباهر يسقط من علٍ ، من السماء، في سلسلة وراء بعضها كدرٍ يتراقص ويلمع.
هم هنا متأكدون، وأنا أنتظر لأتأكد أنا أيضا، أن الربيع جميل، وأنه لابد آتٍ ، وأن كل هذه الأشجار العارية الآن ستكتسي بالبراعم ، بالأوراق ، بالخضرة، بالحياة. وفي إنتظار الربيع، يقولون هنا أنه لا مانع من الاستمتاع بالشتاء، بلسعة البرد على وجهك وأنت خارج في الصباح الباكر، بالطيور الصغيرة تنفض عن ريشها قطرات الندى الباردة وهي تتحرك بسرعة وطول الوقت حتى تتدفأ بالحركة والنشاط. يقولون أن الثلج "الجديد" له سحر آخر. ربما. سأنتظر لأرى، وأقول لكم.



2 comments:

Unknown said...

وحشاني قوي يا درية وحشني قعدتنا في الجامعة القديمة نشرب قهوة في شمس الصبحية احكيلك عن ابني وتكلميني عن ليليى اشكي لك همي ووحدتي تطمنيني بضحكتك الرايقة إن كل حاجة حتبقى كويسة
يمكن ماكناش بنتفابل بالنتظام او بنتكلم كتير لكن كل مرة قعدت معاك فيها أقيم بكتير من ساعات من الرغي والكلام مع ناس انا مش فاكرة حتى اساميهم ايه او كنا بنتكلم في ايه
وحشششششششششششششششاني بجد و مبسوطالك قوي بجد وربنا يوفقك لكل خير يا حبيبيتي
Marwah Sultan

doria Elkerdany said...

مش عارفة أقوللك إيه يا مروة. كلامك أثر في جدا. عايزة أقولك إن واحدة من خبرات السفر لمدة طويلة اللي ما كنتش عارفاها إن الذاكرة بتنتقي ناس، في أوقات وظروف فعلا غريبة ، عشان الواحد يفتكرهم ويا يبتسم ، يا يقول أوف، يا يعيط، يا يحس بالدفء وبالمودة. أرجو إنك تكوني عارفة أنا باحس بايه لما بافتكرك، الحقيقة كتير، مش عارفة ليه، يمكن عشان المشاعر متبادلة. ربنا يخليكي يا مروة ويسعدك، ويديكي اللي يستاهله قلبك الحلو